-A +A
شايع بن هذال الوقيان
بين يدي الآن كتاب صدر قريباً للمفكر المغربي علي أومليل بعنوان “ سؤال الثقافة ؛ الثقافة العربية في عالم متحول” وغرضه من الكتاب هو عرض التحديات التي تواجهها الثقافة العربية في ظل العولمة وفي ظل التحولات الجذرية التي أحدثتها ثورة تقنية الاتصالات في الثلاثة عقود الأخيرة تقريباً. يبدأ المؤلف في مقدمة الكتاب بتحديد المعنى الذي يقصده من كلمة ( ثقافة ) . فللثقافة محدِّدان أساسيان ؛ أولهما نخبوي وهو المعنى التقليدي للكلمة . والآخر شعبي أو إنثروبولوجي . وهذا الأخير هو ما يهتم به الكاتب . فأصبحنا نتكلم عن ثقافة التسامح مثلا وثقافة الإرهاب وغيرها . ومما هو معلوم فإن أحداث سبتمبر قد جعلت الدارسين الغربيين على الأخص يتساءلون عن هذه الثقافة التي تغلغلت في عقول بعض الناس الذين قاموا بأعمال التفجير والعنف فأصبحوا من خلالها إرهابيين .. ولما كان أغلب الإرهابيين قد جاءوا من بلدان عربية غير ديمقراطية فقد تم الربط بين ثقافة الإرهاب وغياب الديمقراطية . فأصبحت مهمة " دمقرطة العالم العربي " كما يقول أومليل قضيةً أمنية بالنسبة للولايات المتحدة .
في الفصل الأول وهو معنون بـ”الليبراليون الجدد والقيم الثقافية” ناقش المؤلف فيه آراء هذه الفئة من المثقفين والخبراء والاقتصاديين والتي تزعم أن الثقافات وإن تعددت إلا أنها ليست متكافئة وأن الثقافة الغربية هي وحدها التي خلقت اقتصاد السوق الحر وخلقت الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان ونحوها . ويطلق عليهم المؤلف اسم الفيبريين " نسبة إلى ماكس فيبر " ومن أبرز هؤلاء فوكوياما وهنتنغتون وغيرهما . فقد قام جدل في أمريكا والغرب بين المنادين بالتعددية الثقافية وبين الفيبريين الذين يصرون على أن تفوق الغرب هو نتيجة لثقافة واحدة هي الثقافة الليبرالية الأوربية التي تأسست في عصر التنوير ويشتد الجدل بينهم فيما يختص بالأقليات الإثنية الموجودة في الولايات المتحدة وأوروبا والتي جاءت عبر الهجرات المتتالية من بلدانهم الأصلية . فقد لوحظ أن المهاجرين الأوائل عربا وآسيويين ولاتينيين كانوا يندمجون بسرعة بل ويذوبون في المحيط الاجتماعي الأوروبي والأمريكي . ولكن الأبناء ( الأجيال اللاحقة ) أصبحوا أكثر تمسكا بهوياتهم الثقافية الأصلية أو بـ(ثقافاتهم المخدَّرة ) كما يصفها " ديفيد لاندز" مما خلق مشكلة كبرى تمس جوهر الديقراطية ذاتها والتي تقر بتعدد الثقافات ولكنها حسب الفيبريين نتاج أصيل لليبرالية الغربية.

في الفصل الثاني ناقش المؤلف الثقافة العربية وفكرة الخصوصية الثقافية . والمؤلف كما يظهر من المؤمنين بالخصوصية الثقافية ولكنها لا تعني – لديه - العزلة أو أن تعيش الثقافات في جزر معزولة ليس بينها معايير عالمية راسخة وثابتة . فضرب مثالاً بختان البنات الذي قد يؤيده البعض باسم الخصوصية والنسبية الثقافية ولكنه يقرر أن هذا العمل يتنافى بشدة مع مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان وهو الحق في السلامة الجسدية فلا يمكن بحالٍ أن نسكت عن هذا العمل وغيره من الأعمال الظالمة تحت دعوى الخصوصية والنسبية . ولكن المؤلف كما يبدو قد نسي أن مبادئ حقوق الإنسان كما هي متداولة تعد غربية المنشأ وهي من الأسس التنويرية التي قامت عليها نهضة أوروبا . ولكنني ألتمس له العذر في كونها ذات طابع إنساني عميق حتى ولو صيغت في إطار الصراع الذي دار بين فلاسفة التنوير الفرنسيين من جهة والكنيسة الكاثوليكية من جهة أخرى .
في الفصول اللاحقة تناول المؤلف مسألة الحوار بين الثقافات وخصوصا العربية والغربية فتوصل إلى أن الحوار غائب ؛ لأنه يشترط قيام اعتراف متبادل . وسبب غيابه هو موقف أصوليتين إحداهما إسلاميةٌ تختزل تنوع الثقافة العربية في الدين وتختزل الدين أيضاً في عقائد متشددة فلا ترى حاجة للحوار مع جاهلية العصر . والأصولية الأخرى غربيةٌ تعتقد أن منجزات العصر الحديث وقيم الحداثة كالديمقراطية والحرية الفردية وحقوق الإنسان هي قيم غربية حصراً ولا بد من التغريب بوصفه طريقاً للتحديث .
إن في هذا الكتاب كثيراً من الآراء القيمة والتي لا يسعنا بسطها ههنا. وحسبنا ما ذكرنا منها لكي ندفع القارئ لقراءة الكتاب والذي يبشر – حقاً – بخطابٍ متزن ومتماسك ومعقول في ظل الفوضى والتهافت والصراع المزيف الذي يعتري ساحة الفكر والثقافة العالميين ؛ بدءا بمقولات نهاية التاريخ وسيادة النمط الغربي سيادة كاملة وانتهاءً بأطروحة صراع الحضارات التي تبرر القطيعة الحضارية وترفض التواصل والحوار المفتوح والمستمر.